مديح الكراهية” – خالد خليفة
رواية “مديح الكراهية” ليست عملًا روائيًا عابرًا، بل شهادة أدبية وإنسانية مؤلمة عن أحد أكثر العقود ظلمة في التاريخ السوري والعربي. لا يمكن تصنيف هذا العمل بسهولة: أهو سرد سياسي أم تأريخ أدبي؟ هل هو تفكيك لهوية مدينة حلب أم مرآة تعكس مصائر المدن العربية في لحظات الانهيار؟
عمل مكثّف وشديد الإيلام
يُقدّم خالد خليفة عملًا يحمل كثافة وجدانية وفكرية نادرة، إذ يغوص في تفاصيل السبعينات في حلب، مسقط رأسه، ليحكي قصة مجتمع مأزوم، متعدد الطوائف، غارق في الحقد والخوف والانتظار. مدينة تحوّلت إلى فرنٍ بشري يشعل فيه النظام فتيله، ويحترق فيه الجميع.
تشريح للحقد الجمعي
الرواية ليست فقط عن فتاة تنتمي إلى جماعة دينية، بل عن شعب كامل يُدفَع إلى الحقد، باسم الدين، الطائفة، السلطة، والخوف من الآخر. يفكك الكاتب ببراعة هذا الحقد، الذي تحوّل إلى ثقافة، وأداة حكم، وإرث يُورّث.
سرد متقن وفصول نابضة
قسّم الكاتب الرواية إلى أربعة فصول، كل منها قائم بذاته، ويحمل طابعًا خاصًا:
- نساء يقودهن أعمى: فصل إنساني مؤلم، يتقمّص فيه الكاتب مشاعر النساء المهزومات في عالم ذكوري ينهش أرواحهن.
- فراشات محنّطة: تحليل سياسي عميق، يكشف مدى تواطؤ الإنسان مع سلطات الظلم حين تكون مبرراته دينية أو وطنية.
- سجن تمرّد: شهادة على آلة القمع وبشاعتها، وعلى النظام الذي لا يتردد في سحق مئات الآلاف من أجل بقائه.
- يتبع النظام: وصف عميق لنفسية الجلّاد، لرجل الدين الذي يبرّر القتل، ولحاكم يخيّل إليه أنه فوق البشر.
لغة شعرية، إحكام لغوي، شخصيات معقّدة
اللغة في الرواية رشيقة، محكمة، مشبعة بالإيحاء، تجمع بين جمال التعبير ومرارة المعنى. أما الشخصيات، فمرسومة بدقة، تنبض بالتناقضات، تعاني وتكفر، تخون وتحب، لتصنع في النهاية صورة بانورامية لإنسان عربي مسحوق تحت نير الاستبداد.
خاتمة
“مديح الكراهية” ليست مجرد رواية، بل لوحة أدبية نادرة، تندرج ضمن أدب الصدمة، وتطرح أسئلة جارحة عن الهوية، الدين، المرأة، والعنف السياسي. إنها صرخة في وجه أنظمة دفنت شعوبها في مقابر جماعية، وكتبت على جبينها “الحقد طريق النجاة”
تعليقات
إرسال تعليق