قلمُ الحبر الأزرق -حلا ماهر
قلمُ الحبر الأزرق
|
خرجت من المحكمة ظهراً عيناها متلونتان بألوان غريبة وجهها شاحب
، بدأت رحلة جديدة فوراً البحث لإيجاد وظيفة لإعالتها وابنته
|
جلست أمام مدير دار النشر العابس ، الأصلع الشعر ، صاحب الأنف
الطويل ،نظر إليها وقال بصرامة أظهرتها التجاعيد على جبينه
|
•
هل يعلم زوجك أنك تريدين
العمل هنا
|
•
لا سيدي أنا وزوجي منفصلين
، صُدِم الرجل فتح فمه وظهرت تجاعيد أخرى عند عينيه ثم تابعت بسرعة
|
•
أنتَ. تعلم كم إنْ إعالة
طفل في زمن الحرب أمر صعب إنني حاصلة على درجة البكالوريوس في الآداب وأكتب منذ طفولتي
هلاّ تقرأ هذه القصص ؟
|
•
بإمكانك العمل في المكتبة
الأرشيف إن أردتْ العمل -علماً إني لا أحبذ ذلك ، نظر اليها نظرات حزينة ثم تابع : حسنا بإمكانك
العمل غداً
|
حصلت على وظيفتها الجديدة ، خازنة للكتب وحافظة للأرشيف بين رفوف
مكدسة من الكتب و الأوراق الكثيرة كانت تقرأ
كثيراً و
|
تكتب لساعات طوال في كتابة الشعر والنثر والقصص القصيرة بإنتاج
أدبي ضخم بالنسبة لها فما من أحد سينشر قصة لكاتبة مجهولة
|
ومطلقة ..كانت مولعة
باستعمال أقلام الحبر الأزرق للكتابة، بخط مموج يتصاعد وينزل تحاول طمس الميم بعناية
وترسم حرف الحاء بحدة وبشكل مستقيم وهي تجلس على المكتب الخشبي لساعات طويلة لتمارس
شغفها عليه بأقرب إنه الاثارة الوحيدة التي
|
بقيت لها ، قررت بعد تردد طويل أن تنشر القصص ووصلت لدار نشر
أخرى غير تلك التي تعمل بها دخلت من الباب وسألت عن
|
لتسأل عن الشخص المسؤول عن النشر ، قرأ أعمالها أخبرها أنها مثالية
ورائعة وتحفة أدبية لقد أخذ كل كتاباتها الهزلية على محمل الجد وكتاباتها الدرامية
بطريقة ساحرة ورومانسية ، دعاها للعشاء في نفس اليوم ، واستمرت لقاءاتهما لفترة ،
لقد تجرآ
|
على التعبير لها عن محبته هو الذي أخفى عنها ذلك مدة طويلة صارحها
ذات ليلة وهما يتحادثان على الهاتف بأنه قد أعجب بها منذ
|
رآها وبأنهما يتبادلان
الشغف نفسه وسيكونان بقمة السعادة والهناء ، سيتقبل ابنتها وسيربيها كابنته ازدادت
ثقة بأنه الشخص المناسب، تزوجته بسرعة وبدون تفكير ، بدأ بالترويج لها
في من خلال عمله في غالب الأحيان ، بدأ بتنظيم حياتهما ولكن الضائقة المادية والديون التي لدى دار النشر قد كلفاهما
راحة البال لكنه كان دائم البحث عن دور النشر من معارفه ،إلى أن وافق أحدهم على نشر
القصة القصيرة فقد نالت إعجابه و يرغب بنشرها ، بشرط أن تُنشر القصص باسمه هو عند
رؤية أول نسخة لهما من الكتاب ، ارتسمت في عيونها تساؤلات كثيرة حاولت بقوة تجاهلها
، بدأ يطلب كل يوم منها كتابة قصيدة
|
جديدة وقصة تارة
أخرى في مواضيع تتعلق بالظلم والفقر والحب لقد فرض سيطرته على عقلها بتسييرها بكتابتها
كان لطيفاً وكاذباً أيضاً ، لقد تجاهل وجودها أكثر من مرة في الملتقيات الأدبية ولم
يذكرها أو يدعوها لكنها حافظت على وجودها
وثباتها بجواره لقد كان يعاملها وابنتها
بشكل جيد وهذا يكفي بالنسبة لها فلقد كانت مستعدة للكتابة ، لقد بدأت الملتقيات الأدبية
تكثر وبات متحدثاً رسمياً وناقداً شعرياً لقد أعد لها غرفة مغلقة تجلس فيها تكتب
بقلمها الحبر الأزرق ويأخذ الكتابات ليجعلها مرسومة على الكمبيوتر ، استمرت على هذه
الحال ما يقارب العشرة أعوام حتى كانت المسابقة الأدبية التي لطالما حلمت بالتقدم
إليها أخبرته أنها ترغب بذلك وتملكتها الجرأة لكي تطلب منه أن تنشر قصتها في المجلة
باسمها الشخصي وأن تكون المذياع لقصصها
ضحك كثيراً يوم أخبرته
ذلك وأكد لها : بأنه ما من أحد يقرأ لأي شخصية نسائية حتى وإن كانت أغاثا كريستي
نفسها ، فالنساء يجيدون الأعمال المنزلية ، هل عثرت على امرأة أجادت الفن والكتابة
والرسم ، أحست بالصحراء تُثلج والعصافير
تنعق ، لكنها تابعت حياتها وبدأت بكتابة أول رواية له هذه المرة كما كان يرغب في
دخول هذا المجال وأصبح الناقد والكاتب والشاعر المشهور وهو يسعى ليحصل على لقب الروائي أغدق عليها بالملابس والمجوهرات ، وجلست مكبةً على
ورقتها البيضاء تخط بيدها رواية من ثلاثمئة صفحة ، ونشرت روايتها حال وصولها للمطبعة
وطبعت منها ألفي نسخة ولكنها كانت مخزية وخيبة أمل له فلقد تناولها النقاد بالسخرية والشتم ، ازداد استفزازه لها يدخل للبيت محمر الوجه ومكشر الأنياب، يغضب
كلما تفوهت بكلمة أمامه ولم يتحدث معها إلا نادراً ، استمر بإقناعها بأن تكتب
مرة أخرى في كل مرة رآها فيها وضعها داخل غرفة ذات أسوار استنزفت طاقاتها صرخت في وجهه معترضة ، أخبرته برغبتها بالطلاق والانفصال هذه المرة فطلب منها من دون أن يرف له جفن
إذا كنتِ ترغبين
في الطلاق تنازلي عن حقوقك في (كل ما كتبتيه
جاء طلبه كالصاعقة
بالنسبة لها ، وبدون تفكير وافقت
استلقت على سريرها
، بعد سنين من الانتظار أصبحت أقلامها وأوراقها حرة ، جمعت كل الأوراق والكتابات
السابقة أحرقتها لأنها
وأخيرا ً وبعد سنين
لم تهدر عبثاً بدأت باستعمال أقلامها الزرقاء
كما أحبت دائماً الفكرة مقتبسة من فيلم Big eyes .
|
تعليقات
إرسال تعليق